الأحد، 13 أبريل 2008

اتجاهات حديثة في تقييم الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية





يعتبر موضوع القياس والتقييم في التربية بشكل عام، وفي التربيـة الخاصة على وجه الخصوص، حجر الزاوية في التعرف على فئات الأطفال المعاقين وتشخيصها، وبدون توفر أدوات القياس والتقييم المناسبة لكل فئة، فإنه يصعب على معدي البرامج التربوية صياغة وتقديم الأهداف التعليمية والتربوية التي تناسب قدرات الأطفال المعاقين واحتياجاتهم، ومن ثم تقييمها للتعرف على مدى فعاليتها.
وتتلخص أهداف عمليتي القياس والتقييم في مجال التربية الخاصة باتخاذ قرارات مناسبة تتعلق بتصنيف الأطفال أو نقلهم أو إحالتهم إلى المكان المناسب أو إعداد خططهم التربوية، ويحدد التربويون أهداف عمليات قياس وتقويم الأطفال المعاقين فيما يلي:
- تصنيف الأطفال المعاقين إلى فئات أو مجموعات متجانسة
- تحديد موقع الأطفال المعاقين على منحنى التوزيع الطبيعي من حيث قدراتهم العقلية
- تحويل أو إحالة الأطفال المعاقين إلى البيئات التربوية المناسبة لهم
- إعداد الخطط التربوية والتعليمية الفردية للأطفال المعاقين والحكم على فعاليتها
- إعداد برامج تعديل السلوك للأطفال المعاقين والحكم على مدى فعاليتها
- إعداد برامج الوقاية من الإعاقة
- إعداد طرق التدريس المناسبة لكل فئة من فئات التربية الخاصة
وتؤكد التوجهات الحديثة في مجال التعلم ضرورة أن يتخطى المتعلم حدود عملية التعلم ذاتها إلى ما وراء التعلم، لكي يتعلم كيف يتعلم، ومن هذا المنطلق كان لابد من تطوير أساليب ووسائل وأدوات التقييم في العملية التعليمية بما يواكب ذلك التطور في النظرة إلى طبيعة عملية التعلم.
وقد جعلت التكنولوجيا عمليات تقييم القدرات العقلية للمعاقين ذهنياً أكثر مـرونة وإتقاناً، وأكثر مناسبة لحاجاتهم الفردية، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في وجود أساليب تقويم حديثة غير تقليدية مثل التقييم المبرمج بالكمبيوتر، وبنوك الأسئلة، والتقييم المصور الذي تتم صياغة مفرداته في مواقف حقيقية واقعية حية أو مواقف محاكاة للواقع، بالتركيز على النواحي البصرية دون أن يتطلب الأمر من المستجيب أي استجابات لفظية وهو ما يناسب المعاقين ذهنياً، إضافة إلى تقديم مجموعة متنوعة من طرق تصميم الاختبارات غير التقليديـة.
وفي ضوء ما سبق فقد ظهرت بالفعل العديد من التوجهات الحديثة في فلسـفة وأهداف عملية التقييم، ويعتبر التقييم متعدد القياسات Evaluation Multiple Measures أحد أهم هذه التوجهات وهو نوع من التقييم الذي لا يعتمد على مؤشر واحد أو أسلوب قياس واحد في إصدار الحكم على المتعلم، بل يعتمد على أكثر من أسلوب قياس، وعلى أكثر من مؤشر لإصدار الحكم على القدرات العقلية عند المعاقين ذهنياً،
ومن أجل ضمان التقييم النفسي التربوي الشامل لا بد من استخدام مقاييس متعددة البناءات والأهداف، وتوفير صورة عن نقاط القوة لدى الطفل واحتياجاته في كل مجال من المجالات، وتعتبر الاختبارات المعرفية من أهم هذه المقاييس للتوصل إلى معامل الذكاء، بالاشارة إلى أن درجة الذكاء التي يتم الحصول عليها ليست نهائية في الحكم على القدرات العقلية عند الطفل،
نظراً لاختلاف اختبارات الذكاء من حيث بنيتها واختلاف جوانب معالجتها للبيانات، وهو السبب في أن درجات نفس الطفل على اختبارات الذكاء تختلف من اختبار واحد إلى آخر، ناهيك عن الظروف الشخصية والانفعالية للطفل المجيطة بوقت تقديم الاختبار له، وبمدى ملاءمة الاختبار لخلفية الطفل الثقافية والاجتماعية وقدراته اللغوية أو الجسمية.
ونظراً لأن هناك الكثير من الأطفال الذين لا يستجيبون على اختبارات الذكاء، خاصة من الفئات العمرية الصغيرة، وللتعرف على جوانب نمائية مختلفة عندهم، وكيفية توظيف الفرد لمهاراته وقدراته في حياته اليومية والاجتماعية، كان لا بد من استخدام مقاييس السلوك التكيفي جنباً إلى جنب مع اختبارات القدرات العقلية لدقة الحكم على الاعاقة العقلية، ووفقاً للتعريف المعتمد للإعاقة الذهنية فإن العجز في السلوك التكيفي يعد شرطاً أساسياً لتشخيص الإعاقة الذهنية، علماً أن السلوك التكيفي هو مجموع المهارات المفاهيمية، الاجتماعية والعملية التي يتعلمها الفرد من أجل الاستفادة منها وتوظيفها في حياته اليومية، أسوة بمن هم في عمره الزمني ومجموعته الثقافية.
وهناك مقاييس أخرى يمكن استعمالها في حالات محددة كاختبارات الكلام واللغة التي تهدف إلى تقييم اللغة الاستقبالية والإرسالية عند الطفل، وقدرته على إيجاد الكلمة، وتحديد أي صعوبات تعلمية يعاني منها في مجال اللغة المقروءة أو المكتوبة، واختبارات الإدراك البصري – المكاني، والتآزر البصري الحركي التي تهدف إلى فحص مشاكل الكتابة، وتناسق الحركات الدقيقة مثل اختبار بندر جشطالت للتكامل البصري الحركي Bender Gestalt Visual-Motor Integration Test ، إضافة إلى الاختبارات النفسية العصبية التي تفيد في تشخيص مشكلات وصعوبات التعلم، وتساعد على فهم العمليات الإدراكية لدى الطفل، والتي قد لا تكون واضحة من خلال اختبارات الذكاء أو الاختبارات المعرفية العادية.


وقد يستخدم الاختصاصي النفسي اختبارات الأداء المهني والميول والاستعدادات المهنية كجزء من التقييم النفسي التربوي للأطفال في الرابعة عشرة من العمر فما فوق. وهذا يتيح تطوير خطة الانتقال المهني Vocational Transition Plan (VTP)، والتي تعتبر مكوناً هاماً من البرنامج التربوي الفردي Individual Educational Program (IEP)، الأمر الذي يساعد في تصميم التدخلات التعليمية المناسبة التي ستسمح للطالب بالسير نحو إنجاز الأهداف الوظيفية والمهنية التي تصبح محور التقييم والتدخلات الموصى بها.
ومن الهم القول أن الاختبارات بكل أنواعها وأشكالها لا تمثل عملية التقييم النفسي والتربوي لذوي الإعاقة الذهنية بل هي جزء من عملية التقييم الشاملة، حيث لا بد من الاعتماد أيضاً على دراسة الحالة الاجتماعية والثقافية والاطلاع على التاريخ التعليمي والطبي للطفل كجزء من عملية التقييم، وتعتبر الملاحظة وسيلة فعالة في ملاحظة الكثير من جوانب السلوك والقدرة التي يتمتع بها الطفل في مختلف المواقف التعليمية والاجتماعية، ويمكن الاستعانة بالوالدين والمعلمين والأشخاص القريبين من حياة الطفل للحصول على نتائج ملاحظاتهم، إضافة إلى ملاحظات الاختصاصي النفسي ذاته أثناء الفحص النفسي وفي مواقف مختلفة أخرى كالملاحظة في الصفوف الدراسية.إن عملية التقييم الشاملة للطفل قد تتطلب من الاختصاصي النفسي الاستعانة باختصاصيين آخرين للحكم على جوانب وقدرات معينة في بعض المجالات البدنية واللغوية الاجتماعية، وتكمن هنا أهمية العمل ضمن فريق متعدد التخصصات الذي يكون الاختصاصي الاجتماعي واختصاصي اللغة والكلامي واختصاصيي العلاج الطبيعي والوظيفي جزءاً أساسياً فيه.

إن تعدد وتنوع مصادر التقييم يعتبر من الأسس التي ترتكز عليها الاتجاهات الحديثة في عملية التقييم التربوي، وإن منحى التقييم ذو القياسات المتعددة يتحقق من وجود الإعاقة الذهنية باستخدام اختبارات مقننة وأساليب قياس أخرى غير مقننة في مجالات القدرات العقلية والسلوك التكيفي، والجوانب النفسية والانفعالية، والجوانب الصحية والبدنية والبيئية، وكذلك فإنه يصف ويصنف احتياجات الفرد حسب مستويات المساندة المحددة في التعريف الحديث للإعاقة الذهنية، وليس وفقاً للتصنيف التقليدي الذي يعتمد على القياس النفسي فقط و يصنف المعاقين إلى إعاقة ذهنية بسيطة، ومتوسطة وشديدة.
وأخيراً فإن التقييم متعدد القياسات يمتاز ببناء نموذج للاحتياجات المطلوبة عند الطفل وتمثل هذه المرحلة نتاجاً للمراحل السابقة بحيث يشمل نموذج الاحتياجات جميع ما ورد من وصف لجوانب القوة والضعف، وتحويل هذا الوصف إلى أهداف تعليمية وتربوية وعلاجية عامة وخاصة تشكل في مجملها البرنامج التربوي والتعليمي المبني على أساس الاحتياجات الفردية، وعلى ما حدده فريق العمل المتكامل من مدخلات شاملة ومتبادلة ضمن ذلك البرنامج.